الرحيم
والصلاة و السلام على اشرف المرسلين و آله الطيبين الطاهرين
القطب الرباني والهيكل الصمداني والقنديل النوراني صاحب الاسرار والمعاني
الغوث الأعظم و باز الله الأشهب الشيخ العارف بالله
عبد القادر الجيلاني
(قدس الله سره)
إنه مؤسس الطريقة القادرية , و هو عبد القادر بن موسى بن عبد الله بن يحيى الزاهد (وقيل: جنكي دوست أي العظيم القدر) , أبو صالح أو أبو محمد, محي الدين , ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.
ولد في جيلان (جنوبي بحر قزوين , وراء طبرستان في إيران) عام 470هـ . وفي الثامنة عشرة من عمره دخل العراق فأقام في صحرائه وخرائبه مجرداً سائحاً خمساً و عشرين سنة . ثم انتقل إلى بغداد فأخذ العلم عن أهله والتصوف عن شيوخه . ونقل الشعراني , في طبقاته , عنه قوله : (( قاسيت الأهوال في بدايتي فما تركت هولاً إلا ركبته . و كان لباسي جبّة صوف و على رأسي خريقة . وكنت أمشي حافياً في الشوك وغيره , وكنت أقتات بخرنوب الشوك و قمامة البقل و ورق الخس من شاطىء النهر . و لم أزل آخذ نفسي بالمجاهدات حتى طرقني من الله الحال , فإذا طرقني صرخت و همتُ على وجهي سواء كنت في الصحراء أو بين الناس , و كنت أتظاهر بالتخارس و الجنون , و حملت إلى البيمارستان)) .
انكب الجيلاني على تحصيل علوم الدين والأدب حتى أصبح ((يتكلم في ثلاثة عشر علماً , واشتهر أمره في الآفاق و برع في أساليب الوعظ و الإرشاد . و في سنة 528 هـ تصّدر للتدريس و الإفتاء . ففي مجال التدريس يذكر الشعراني أنهم (( كانوا يقرأون عليه في مدرسته درساً من التفسير , و درساً من الحديث , ودرساً من المذهب , و درساً من الخلاف . و كانوا يقرأون عليه طرفي النهار التفسير و علوم الحديث و المذهب والخلاف و الأصول و النحو)) . أما في مجال الإفتاء , فكان (( يفتي على مذهب الإمام الشافعي و الإمام بن حنبل )) . ويذكر ابن الأثير في الكامل أن الجيلي ((كان من الصلاح على حال , و هو حنبلي المذهب )) . ويضيف الشعراني أن (( فتواه كانت تعرض على العلماء بالعراق فتعجبهم أشد الإعجاب)) .
كان من أخلاق الجيلاني , مع جلالة قدره , التواضع للصغار و مجالسة الفقراء . و هو لم يقم قط لأحد من العظماء أو أعيان الدولة , و لم يدخل باب وزير أو سلطان . عرف بشدة قوته والتزامه في طريق الله , و وصفت طريقته بأنها التوحيد وصفاً و حكماً و حالاً , وموافقة الشرع ظاهراً و باطناً , والإقرار بأن كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة فهي باطلة .
توفي الجيلاني في بغداد سنة 561 هـ , وله من مؤلفاته : (( الغنية لطالب طريق الحق )) و (( فتوح الغيب)) , و (( الفيوضات الربانية)) , و (( الفتح الرباني)) .
- من كتاب الفتح الرباني و الفيض الرحماني