)أليس الله بكافٍ عبده(
الحمد لله الذي أعز جنده وأنجز وعده وهزم الأحزاب والصليبيين وحده واختار لنصرة دينه ورفع كلمته رجال صدقٍ وجهادٍ فمنهم من ينتظر ومنهم من قضى نحبه .
والحمد لله الذي أطال أعمارنا حتى أقر أعيننا بنصرة عبده .
قصص أولئك الرجال الذي اختارهم الله لنصرة دينه وإعزاز شرعه وأيدهم بالحفظ والتأييد من عنده مليئة بالعبر و المعاني ، ومن هؤلاء الرجال صاحب قصتنا الآتية :
خرجت ثلاث سرايا من المجاهدين في سبيل الله تترصد إحدى دوريات الاحتلال الصليبي جنوب بغداد وعلى جانبي الطريق أراضٍ زراعية منبسطة يكسوها الخضار وتكثر فيها المبازل والأنهار. وقد تم توزيع المجاميع الثلاثة على قسمين ومن جهتين ترصداً للعدو من كلا الجانبين، لم تثنهم حرارة الشمس وقيظها اللاهب من الرباط وطول الانتظار ليقينهم أن نار جهنم هي أشد حراً، فكانوا يدفعون برباطهم حر الآخرة بحر الدنيا.
وبينما هم ينتظرون بشوق ملاقاة العدو والنيل منه، إذا بأرتال الصليبيين تأتي من طريق لم يحسب له حساب، إذ لم تكن عادتهم سلوكه من قبل، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً .
فلم يتردد المجاهدون في اختيار المواجهة، ودارت رحا الحرب ووقع الصدام بين جيش الرحمن وجيش الصلبان، وكل يستغيث ربه ويستعين بإلهه، هذا يستعين بالواحد الديان، وهذا يستعين بالسلاح والصلبان .
ودنت سلعة القتال وبدأت المعركة:
قذائف المجاهدين تنطلق نحو أرتال الكفر فتحيلها دماراً وخراباً، فهذه آلية محطمة، وتلك أشلاء متناثرة، وليس هذا كل شيء فقد ارتسم الطريق بلون الدم ،والسماء الصافية تلبدت بسحب الدخان التي لم يزاحمها الا صرخات الجرحى وعويل بعض الناجين.
وكان المجاهدون قد اعدوا طريقاً للانسحاب ومنفذاً للتواري عن أعين الصليبيين، الا أن الله تعالى أراد لهم أمراً آخر وكتب لهم شأناً أعظم من مجرد قتل الكفار. أراد الله سبحانه تمحيص المجاهدين وإكرامهم وتذكيرهم بدوام افتقارهم إلى عون بارئهم، فانظر ما هو اختيار الله لهم وكيف كانت النهاية:
كان قائد السرايا قد رسم خطة الانسحاب وأعد لذلك سيارة حديثة لنقلهم من ساحة المعركة، وهناك تأتي المفاجئة: طائرات تباغت المكان وتحاول إسعاف الجرحى وإنقاذ الناجين من المجزرة، وأخرى تتعقب المجاهدين وتفتش عنهم، ولو اقتصر الأمر على ذلك لهان شأنه وسهل التعامل معه، ولكن هاهي أرتال الدروع تسد الأفق وتقطع طريق الانسحاب على المجاهدين، فما العمل؟ وما السبيل للنجاة ؟
وتتفاقم الأمور سوءاً ويزداد الأمر صعوبة حيث بدأت نيران العدو تنهال نحو رجال الإسلام فبقي المجاهدون في جهةٍ واحدة وهم في ذهول وحيرة من أمرهم، فليس عندهم من العدة والعدد ما يكفي للمواجهة .
وهنا تبرز أهمية الإيمان وما يورثه في النفس من ثباتٍ وإيثار، وضرورة القائد الشجاع الذي لا تهد عزيمته البلايا ولا تُوِهن قوته الأهوال .
فكر قائدنا من غير تردد وقرر من غير خوف، وانطلق مسرعاً في تنفيذ ما قرره على عجل، فركض نحو السيارة وكان يريد بعمله هذا لفت انتباه العدو إليه علّهم أن ينشغلوا به عن إخوانه المجاهدين، فضحى بنفسه ليخلص إخوانه من تلك المصيدة. وقد تم له ذلك على الرغم من المخاطرة المباشرة على حياته، ولكن الأمر تم كما يريد الله ويحب، لا كما يريد اعداؤه ويحبون .
متطى صاحبنا المحنك صهوة مركبته وانطلق سراعاً كأنه البرق الخاطف، وراح الصليبيون يطاردونه تاركين بقية المجاهدين في حفظ وأمان .
فعاد المجاهدون وهم يحملون أسلحتهم على أكتافهم ويدعون لصاحبهم بالسداد والرشاد والسلامة من كيد الصليبيين الذين مُكر بهم وانطلت عليهم خديعة قائدنا المحنك .
فتوجهوا خلف سيارته بسرعة عالية جداً وهم يطلقون عليه أنواع العتاد وألوان القذائف، حتى غدت سيارة لا تعرف من كثرة ما تعرضت له. وحين قاربوا على اللحاق به اعترضته سيارة أحد المزارعين في طريق ضيق لا يسمح بمرور سيارة أخرى، وأوشكوا على تحقيق مأربهم والقبض على القائد ولكنه تدارك الموقف وانسل بخفية نحو طريق آخر أكثر وعورة وضيقاً وتمكن من الابتعاد عن ساحة الخطر وظن انه صار في مأمن منهم، لكنه يفاجأ بأن الطريق الذي سلكه مسدود والأشد من ذلك أن الصليبيين لم ييأسوا من الظفر به، فتابعوا اللحاق به والبحث عنه، وأصبح صاحبنا تحت أنظارهم وتحت مرمى نارهم، ولكن أين يذهب؟ هل يفر منهم؟ أم يستسلم لهم ؟ وهنا تتجلى هداية الله للمجاهد وعنايته به، فنزل من السيارة وتلفت يميناً وشمالاً فلم يرى أمامه سوى مبزل صغير لم يبق فيه الا اليسير من الماء وبعضاً من نباتات البردي والقصب المتناثر هنا وهناك.فلا الماء يكفي للغطس ولا النبات يحول دون نفاذ البصر. ولكن ما الحل وليس أمامه سوى هذا المفر وقرر النزول في الماء وجلس فيه على هيئة القرفصاء كي لا يُرى منه شيء سوى أنفه الذي أبى أن يهان على أيدي أخوة القردة والخنازير .
وصل الأمريكان واخذوا يستكشفون جوانب المبزل وتوصل أحدهم إلى مكان اختباء فارسنا ونادى أصحابه الذين تقاطروا تباعاً حتى طوقوا المكان واخذوا يصوبون إطلاقاتهم نحو المخبأ المكشوف للعيان الا من حفظ الله وكفايته .
وهنا نترك الكلام لصاحب القصة فهو أحق بوصف أحداث ملحمته، يقول صاحبنا: ولقد هممت عندها أن أخرج إذ لا مجال للاختباء ولا فرصة للنجاة، ولكنني قلت في نفسي: أأخرج إليهم بنفسي بعد كل ما مر؟ وإذا بالسكينة تحفني وترخي سدولها على نفسي، واصبح ذكر الله لا يفارق لساني الذي يردد مع قلبي (اللهم اكفني بما شئت)
ثم أخذوا يرمون رمياً عشوائياً في المبزل الصغير وعلى جوانبه وبكل اتجاه ممكن حتى إذا وصلوا إلي عميت أبصارهم عني فإذا جاوزوني أخذوا يرمون مرة أخرى .
ولما يأسوا مني عمدوا إلى الإتصال بطائراتهم التي قامت بإلقاء القنابل الصوتية بالقرب من مكان اختبائي محاولة إجباري على الخروج من المبزل الذي أحسبه قد صار بحراً ضخماً بالنسبة لعين الصليبيين .
ولكن الله سلّم وستر، فقد نتج عن القنابل الصوتية تجمع نباتات البردي والقصب والتفافها حولي كأنها الظفيرة. ولم تُجدِ نفعاً تلك المحاولات فغادروا المكان ولكنهم تركوا اثنين من جنودهم بالقرب من مكاني يرقبان خروجي، وبقيت أكثر من ثلاث ساعات دون جدوى فتركاني وحيداً، وصدق الله إذ يقول )ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً( الأحزاب، ولما خرجت من المبزل تفاجأ الناس بنجاتي وحل الفرح والسرور على تلك الوجوه المسلمة بعد أن أحزنها منظر الكفار وهو قتل رجل مسلم ليس له ذنب سوى رفضه الذل وطلبه العز لدينه .
وقد سارع صاحب المنزل الذي جرت المعركة بالقرب من داره فأدخلني إلى بيته وأحظر لي ملابس جديدة وتناولت معه الطعام ولم يتركني حتى اطمأن على سلامتي .
وعدت إلى أهلي معافىً سالماً من كيد الأمريكان ومعافى من مرض القولون، أتدرون يا اخوتي كيف ذاك ؟
لقد كنت مصاباً بمرض القولون المزمن، والله يشهد أني ما شفيت منه الا بعد ذاك الحدث. وكان من تمام سروري أن اخوتي الذين فديتهم بروحي وآثرتهم على نفسي لم يتركونني وحيداً، إذ تبين لي أنهم كانوا يبحثون عني وقد قابلتهم فعلاً أثناء خروجي من القرية، وعدنا سوية مهللين ومكبرين ولسان حالنا يقول )أليس الله بكاف عبده (.