أسعدني القدر في يوم الأربعاء الماضي بأن تيسر لي لأول مرة في حياتي زيارة الساحة الرضوانية بالأقصر.
كان شيئا خاصا جداً، ورائعاً جدا جدا جدا.
وإليكم القصة من بدايتها:
فقد استلزمت ظروف العمل الذهاب إلى الأقصر لقضاء بعض المصالح هناك، وبما أن آخر مرة ذهبت فيها إلى الأقصر كانت منذ ثمانية سنوات تقريباً، فلا شك أنني لم أكن أعلم عن معالم المدينة الدينية شيئاً.
انطلقت إلى سيدي الحاج سيد المنفلوطي، سائلة إياه زيارة ما يمكن زيارته من مقامات الأولياء الصالحين، ولكن للأسف طال الوقت المستغرق في العمل حتى وصلت الساعة الثامنة مساءً، ولم تبق على السفر إلا أربعة ساعات فقط.
وإذا النجدة تأتينا باتصال الأخ العزيز رضوان حامد ليسألنا إذا كنا آتين للساحة المباركة، الساحة الرضوانية بالأقصر.
وبدأت كرامات سيدي أحمد رضوان بالتدفق، فالسيارة التي اتفق معها الحاج سيد المنفلوطي لتوصلنا وتعود بنا قد انصرفت نتيجة تأخري في العمل، فإذا بسائق السيارة الذي أوصلنا للموقف يبادر فورا بتوصيلنا للساحة بمجرد علمه أننا ذاهبون إلى هناك، بل وانتظرنا حتى انتهت الزيارة.
ملحوظة: السائق لم يكن يعرف الطريق، ومع ذلك ذهب بنا من طريق لم يضله لحظة، وعاد من طريق آخر لم يضله لحظة كذلك!!!
وبمجرد نزولنا من السيارة وجدنا أخانا العزيز رضوان حامد في استقبالنا، ودخلنا الساحة الرضوانية.......
ولكن الفارق كبير بين قبل الدخول وبعده.......
ففي الخارج أنت خارج الساحة الرضوانية فقط!!
أما بمجرد أن وطئت قدماي الساحة فقد تحول الأمر إلى شيء آخر تماماً، فقد شعرت بأنني على أرض الحرم النبوي الشريف، وكأني أتطلع إلى القبة الخضراء أمام عيني، كان شيئاً أروع من أن يوصف.
فتحت قدمي أرض الحرم الرخامية البيضاء، وجميع من حولي هم من أنصار المدينة الذين عزروا ونصروا، ترى وجوههم وقد امتلأت بالبشر والترحيب وكأنهم ينتظرونك منذ زمن بعيد، أمنيتهم أن تسعد بينهم، وجوههم تقول هذا في كل بسمة لقاء، وكل كلمة ترحيب.
وما هي إلا خطوات معدودة حتى وجدنا الشيخ عبد الله صالح أحمد رضوان أمامنا، في الواقع لم نكن بحاجة لأن يعرفنا عليه أحد فرغم سماره الظاهر للناظرين في صورته، إلا أن الحقيقة أنني شعرت بأن وجهه قطعة من البدر ليلة تمامه من شدة النور الظاهر على محياه، فانطلقت أردد ماشاء الله لا قوة إلا بالله، ولا يتوقف لساني عن ذكر الله، وتذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن أولياء الله الصالحين فقال: الذين إذا رؤوا ذكر الله، نعم، رضي الله عنه وأرضاه.
وكأن كل شيء في المكان يشع نورا ربانيا خالصا ليس له حدود، وتوجهنا إلى مقام العارف بالله سيدي أحمد رضوان لزيارته.
ما أن تقع عيناك عليه حتى تشعر أنك صرت مسلوب القلب مغرما به غراماً ليس له حد، اقتربت، ألقيت السلام من خارج الغرفة المباركة، وقرأت الفاتحة للإذن بالزيارة، ثم قبلت عتبته الطاهرة، ووضعت خدي واحداُ تلو الآخر عليها(لعل رب حنان يرحم حنان)، ثم خطوت للداخل، وشتان بين الحال خارج الحجرة الشريفة وبين الحال داخلها، فقد انتقلت من عالم إلى عالم آخر.
كنت في الساحة في الدنيا أرى مكانا يمتلئ بالنور، أما في الحجرة؛ فقد غرقت في بحار من الأنوار لم أرها في حياتي من قبل، لم أرها في مقام أي من الأولياء الصالحين من قبل، رغم علو مكانتهم جميعاً، كان أمراً غير عادياً بالمرة، فلأول مرة في حياتي أشعر بمعنى الكلمة بأنني بين أمواج من نور تأخذني حتى أكاد لا ألتقط أنفاسي، شربت منها حقاً لا خيالاً كدت أغرق حقاً وحقيقة، وأنا لا أستطيع النطق بشيء إلا قراءة الفاتحة عشرات المرات، وأنا تتسارع في ذهني صور كل من أحب وأحب أن أقرأ لهم الفاتحة في هذا المكان الطاهر، حتى شعرت بأنني أوشك على الإغماء.
وجدت نفسي وقد سمح لي سيدي أحمد رضوان بالخروج من الغرفة قبل أن أنهار تحت وطأة الأنوار الغزيرة تماماً، فبدأت بالإنسحاب بهدوء، وقبلت الأعتاب مرة أخرى وأنا أقرأ الفاتحة بالإستئذان، وفي تراجعي للوراء، اكتشفت فجأة أنني كان معي الحاج سيد المنفلوطي، ووجدته يدعوني لأن أقترب لكي يصورني بجوار المقام، فأشرت إليه بأنني لا أستطيع، فلم يكن يعلم حالي وقتها إلا الله.
ذهبنا إلى حجرة الضيوف، والتي لم يسبق لي معرفة مكانها، كما أنني لا أذكر إطلاقاً من قادنا إليها، فهي في الناحية الأخرى من الساحة بالمقابل لمقام سيدي أحمد رضوان، وليس من المنطق أن أكون ذهبت إليها وحدي، لكني في الحقيقة لم أكن في حالة تسمح لي أن أميز من كان يقودنا في التحرك تحديداُ، ولو أنه في الغالب كان الأخ رضوان حامد لأنني عندما بدأت أن أسترد حضور ذهني كان موجودا بغرفة الضيوف مع سيدي الحاج سيد المنفلوطي.
وجاء الشاي، ووجدتني بدون سبب واضح آخذ كوب الشاي بدون سكر، وأرفض أن أضع فيه ملعقة سكر واحدة، على الرغم من أن طبيعتي شرب الشاي سكر زيادة؟؟!!!
وما هي إلا دقائق معدودة، وانضم إلينا الأستاذ أحمد فرغلي رفيق الرحلة من بدايتها، ثم أسعدنا أن يضيفنا سيدي الشيخ عبد الله صالح رضوان.
وبدأ الحاج سيد المنفلوطي في إدارة حوار رائع وراقي عن الطريقة الرضوانية مع سيدي الشيخ، فجاء كلام سيدي الشيخ عبد الله وكأنه سلاسل من نور تتدفق من بين شفتيه صاعدة إلى السماء.
وتناولت كوب الشاي الخالي من السكر لأشربه وأنا مستعدة لتحمل مرارة طعمه، (أسمع أحد القراء وهو يقول وهل هذا وقته؟)، وبمجرد أن تذوقت الشاي وجدته محلى تماماً، لم أتمالك نفسي من الدهشة، فاندفعت قائلة: الشاي محلي، نظر إلي كل من الحاج/ سيد والأخ رضوان، فهما الذين حضرا أخذي للكوب بدون سكر، فكررت بدهشة: الشاي محلي!!!!!! دانا بشرب الشاي سكر زيادة، ضحك أخي رضوان بدون تعليق، الظاهر إنه واخد على المسائل دي!!!
جلست في رحاب سيدي الشيخ عبد الله وقتاً، كان من أجمل ما سمعته منه من كلمات، دعاء سيدي أحمد رضوان، "اللهم سق إلي من أردت إسعادهم، وسق إلي رزقهم، ولا تلهني بهم عنك"، قلت في نفسي: "أسأل الله أن أكون ممن أحبهم، وأراد إسعادهم، لعلها علامة فضل ورضا من الله، ثم استأذنت للوضوء والصلاة، ورغم وجود مصلى في المكان، إلا أنني أحببت أن أصلي في حجرة سيدي أحمد رضوان وفي جواره، واستاذنته في الدخول مرة أخرى راجية منه أن يتلطف بي ويمنع عني ما يمنعني عن إتمام صلاتي لديه.
كانت الأنوار كما هي إلا أنها كانت حولي دون الولوج في أمواجها، وكأني في فقاعة هواء أصلي وأتنفس، بين أمواج البحر دون أن تصل لي هذه الأمواج.
وما أن أتممت سنة الوضوء حتى وجدت الأستاذ أحمد ليخبرني بأن العشاء جاهز، فاستأذنته لصلاة العشاء والسنة ثم اللحاق بهم.
وعدت إلى حجرة الضيوف بعد الصلاة لأجد سيدي الحاج/ سيد المنفلوطي، وهو يتمم ختام اللقاء المبارك مع سيدي الشيخ عبد الله صالح، وكاد الثاني أن يستأذن ليتركنا نأكل، لكننا أصررنا بالطبع أن يشاركنا الطعام، والحق أنني حرصت على أن آخذ أول لقمة لي من الطبق الذي أكل منه، ثم التزمت بتعاليم سيدنا الرسول صلوات الله وتسليماته عليه، وأكلت مما يليني من أطباق، ولا أستطيع أن أصف لكم مدى روعة وجمال العدس الرضواني.
ملحوظة: لاااااااااازم تجربوووووووووووه.
ثم جاء الشاي للمرة الثانية
وفي هذه المرة ظفرت بنصيب الأسد عندما استأذنت سيدي الشيخ/ عبد الله أن أشرب القطرات المتبقية في كوبه، فأذن لي بذلك أكرمه الله.
تمت الزيارة واستأذنا للمغادرة، ولكن ما ليس فيه شك، أن الأجساد غادرت المكان، ولكن الأرواح ظلت معلقة به، لساعات، لأيام، ربما لباقي العمر.
أظن من المستحيل أن أنسى أبداُ كل لحظة نورانية عطرة قضيتها في الساحة الرضوانية الطاهرة...
في رحاب سيدي أحمد رضوان.........
مدد يا سيدي