[center]
النور ( صلى الله تعالى عليه وسلم )
قال الله تعالى في كتابه العزيز : قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ( المائدة : 15 ) والمقصود من النور والكتاب المبين هو رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وذلك لأن النور والكتاب المبين لا ينفكان ولا يختلفان إلا بالمعنى فالنور هو القرآن الناطق والكتاب المبين هو القرآن المقروء وكلاهما قرآن ولكن أحدهما أكبر من الآخر كما في الحديث الشريف تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي . والعترة أهل البيت يمثلون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فحينما يقول أحدهما أكبر من الآخر مع أنهما ثقلين متكافئين يعني أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وعترته هم الثقل الأكبر وذلك لسببين أحدهما هو أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم معلم الكتاب والمعلم أكبر وأهم لأن الكتاب يحتاج إلى معلم ولا يحتاج المعلم إلى كتاب حيث أن كثيرا من الأنبياء بعثهم الله تعالى ولم ينزل إليهم كتاب . أما السبب الثاني فالرسول الواسطة في إنزال الكتاب ولولا الواسطة لما عرف الكتاب أصلا فضلا عن أن القرآن العظيم هو هدية الله تعالى إلى رسوله والهدية ليست بأفضل من المهدى إليه . بقي شيء آخر يجب أن يدركه المؤمن وهو تقديم النور في الآية الكريمة وتأخير العترة الطاهرة على لسان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في الحديث الشريف . فالقول هنا هو لما يريد الله تعالى أن يخبرنا عن حقيقة رسوله وأنه نوره الأزلي القديم المتجسد والنازل إلى الأرض رحمة للعالمين فيقدمه لأن نزوله سابق لنزول القرآن ، ولكن عندما يريد الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أن يخبرنا بماذا نتمسك بعده فيوصي بالقرآن أولا ويقدمه على العترة تواضعا منه وإجلالا للقرآن العظيم ولأن العترة الطاهرة يشرحوا ما في القرآن ويستبطنوا ظاهره فالقرآن متقدم عليهم في الظهور فهو دستورهم وهم أهله . ومما قاله العارفون بالله تعالى في النور وحقيقة معناه هو الشيخ أبو عبد الله الجزولي حيث يقول : « النور صلى الله تعالى عليه وسلم : أي نور الله الذي لا يطفأ ، وحقيقة النور هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره : وهو صلى الله تعالى عليه وسلم كذلك » (1). ويقول الشيخ عبد الرؤوف المناوي : « النور صلى الله تعالى عليه وسلم : أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يبصر من خلفه ، لأنه كان يرى من كل جهة من حيث كان نوراً كله ، وهذا من عظيم معجزاته صلى الله تعالى عليه وسلم ، ولهذا كان لا ظل له ، إذ النور الذي أفيض عليه منع من حجب الظلمة ، ولذلك تجلت له الجنة والنار في الجدار صلى الله تعالى عليه وسلم »(2) . وأن من النظريات العلمية الحديثة والتي تثبت صحة مانراه وما نقوله هي أن الضوء وهو شيء غير مادي ولا ملموس إذا كثف في ظروف مختبرية معينة فإنه يستحيل إلى كتلة ومادة ، وكذلك ما نعايشه ونراه هو أن بخار الماء وهو شيء غير ملموس إذا ما تكثف فسيصبح ماء ذو مادة وكثافة معينة ، ولله المثل الأعلى .
______________________
الهوامش :
(1) - جواهر البحار في فضائل النبي المختار صلى الله تعالى عليه وسلم - ج 2 ص 372.
(2) - المصدر نفسه - ج2 ص 128 .