التصوف فلسفـة ونـظـرة إلى الحـياة ورؤيـة للـوجـود . إنـه نـوع مـن الـتـعامـل مـع
الحـقـائـق الـكـونـية بـشـكـل عـام ، ومع الـقـضـايا الإنـسـانـيـة بـشـكـل خـاص
.
فـعـلى الـمسـتـويـات الاقـتـصادية والـسيـاسـية والاجـتـماعـيـة والأخلاقـية…
يـمـثـل الـتـصوف مـوقـفـا بـامتـيـاز . إنـه مـوقـف رافــض للـمـظاهـر
الـسـلـبـيـة في كـل مـجـالات الـحـياة الـتي يـلامـسها .
إنـه بـشـكـل أو
بـآخـر سـعي إلى تـصحـيـح الأوضاع الـتي تـعـاني اعـوجـاجـا واضطـرابا .
فـعـلى
الـمـستـوى الـسيـاسي يـمـثـل الـتـصوف رفـضا لـكـل أشـكـال الـمـرض الـسيـاسي من
تـنـازع عـلى الـسـلـطـة وتـعـال وظــلـم واستــبــداد ، إنـه سـعي إلى تــلـطــيـف
أجــواء الـنــزوع الـسيـاسي نـحـو الاستـعـلاء وتـحـطـيـم الآخـر بـشـكـل مـن
الأشـكـال سـواء مـنـها ما كـان مشـروعـا أو مـا كـان بـخـلاف ذلك .
وعـلى
الـمسـتـوى الأخـلاقي ، يـمـثـل الـتـصـوف تـصحـيـحـا للـسـلـوكـيـات الـمـرضـية
الـقـائـمة عـلى حـب الـعـاجـلة دون الآجـلـة ، وتـكـريـسا لمـبـدأ الـعـدل
والـتـوازن بـيـن الـقـيـم الـروحـيـة والـقـيـم الـمـاديـة . فــقـد اكـتـفى
الـكـثـيـر مـن الـنـاس في الـعـصر الأمـوي الـذي ظـهـر فـيه الـتـصوف ـ على
سـبـيـل الـمـثـال ـ بـالـسـعي إلى جـني أكــبـر قــدر مـمـكـن مـن الـمـال ،
وتـحـقـيـق أكـبـر حـظ مـمـكـن مـن الـمـتـع واللـذائــذ الـدنـيـويـة الـمـادية ،
ضـاربـيـن عـرض الـحـائـط بـالـقـيـم الـروحـيـة والإنـسانـيـة الـتي أتى بـهـا
الإسـلام وســعى إلى تـرسـيخـها ، فـقـد تحـولـت حـيـاتـهم إلى حـيـاة فـارغـة من
الـمـعـنى ومن الـروح ، حـياة تـعـتـبـر كـل شيء في الـمـال والجـاه . وكـل
مـجـتـمع تـسـود فـيـه هذه الـقــيـم يـستـحـيـل أن تـتـحـقـق فـيه الـعـدالـة
الاجـتـماعـية في تـوزيـع الخـيـرات بـشـكـل يـراعي حـق الـضعـيـف ونـصيب
الـفـقـيـر ، وهـذا الـنـوع من الحـياة يـحـيا بـالـمـال ويـموت بمـوتـه وفـقـدانـه
، وتـصـيـر الحـيـاة بـعـد الـمـوت سعـيـا إلى نـيـل الـمـال أو إلى استـرجـاع مـا
ضاع مـنـه أو أنـفـق بـشـتى الـطرق والـوسائـل ، المـشـروع مـنها والـمحـرم عـلى
حـد سـواء . في هـذا السـيـاق يـأتي الـتـصوف لـيعـيـد الاعـتـبـار للـقـيم
الـروحـية ، ولـيعـيـد الأمـور إلى نـصابـها .
إن نـقـطـة قـوة الـتـصوف في هـذا
الـمجـال لـيـست في محـاولـتـه إصلاح الـوضع بـقـدر ما تـكـمـن الـقـوة في طريـقـة
معـالجـتـه لهـذه الأوضاع وطريـقـة تـعـامـلـه مع هذه الأمـراض .
فـهـو
يـستـعـيـن بـمـجـمـوعة طرق وسـلـوكـيـات نـوجـزهـا في الآتي:
1 ـ الـتجـربـة الـبـاطنـية :الـملاحـظ هـنا أنـنـا نـتـحـدث
عن الـتـربـيـة لا الـتـعـلـيـم ، إذ في الـوقـت الـذي اكـتـفـت فـيه كـثـيـر مـن
مـدارس الـتـربـيـة بـمـهـمة الـتـعـلـيـم ، وتـحـديـدا بالـتـلـقـيـن ،
الـتـلـقـيـن للـمعـلـومات والــمعـارف الجاهـزة الـتي تـبـقى عـاجـزة عـن
الارتـقـاء بـحـيـاة الـفـرد إلى مـعـانـقـة مـستـويات عـلـيا من الـنـضج
والـتـجـربـة ، قـلـنا لـم تـكـتـف الـتجـربـة الـصوفـيـة بـالـتـعـلـيـم بـل كـان
أول أو ربـمـا أهـم مـقـاصدهـا : الـبـعـد الـتـربـوي مـن خلال الـربـط بـيـن
الـظـاهـر والـبـاطن في شـخـصـيـة الإنـسان ومـن خـلال جـهـاد الـنـفـس أو إصلاحـها
، فـفي حـيـن اكـتـفـت كـثــيـر من الـتجـارب الـتـربـويـة بـالـمستـوى السلـوكي من
حـيـث الإصلاح الـذي يـركـز على سلـوكـيـات الـفـرد الـظاهـرة ، كـاحـتـرام الـوقـت
والـنـظـافـة والـتـعـامـل مع الـمحـيـط الخـارجي ، فـإن الـتـصوف ركـز على
الـمستـويـيـن مـعا من الـتـربـيـة : مـستـوى الـسـلـوك الـظاهــري ومـستــوى
الـسـلـوك الـبـاطني أو مـا يـمكـن تـسمـيـتـه بـالـسـلـوك الـنـفـسي. فـاهـتـمـوا
إلى جـانـب مـا تـمت الإشـارة إلـيـه بالأخـلاق الـنـفـسـية من حـسـد وحـقـد
وتـواضع ومـحـبـة … وغـيـرهـا من الـسلـوكـيـات الـبـاطنـية الـتي يـصعـب عـلاج
الـظاهـر دون عـلاجـهـا .
:
2 ـ الـتجـربة الغـيـرية
::إذا كـان الـكـثـيـر مـن الـمـدارس يـكـتـفي فـي الـتـربـيـة
بالتـلـقـين الـشـفـوي ، فـإن الـمنـهـج الصوفي يـمـيـل إلى اتـخـاذ سـبـيـلـيـن
اثـنـيـن كـوسـيـلـة للـعـلاج والإصلاح ، فـإذا صح أن نـسمي الطريـقـة الأولى :
الـتـربـيـة الـذاتـيـة ، فـإنـه يــصح تـسمـية الـتـربـية الصوفــية بالـتربـية
الـغـيـرية أو الـتـربـية الـمـتـعـديـة في مـقـابـل الـتـربـية الـقـاصرة . إن
الـفـرق بـيـن الـمنهجـيـن يـكـمـن بـالخـصوص في أن الـمنـهـج الـصوفي يـعـتـمد
إصلاح الـنـفـس المـتـعـدي نـفـعـه إلى إصلاح الـغـيـر ، إذ إن أي سـلـوك إصلاحي لا
يـتـوقـف فـيـه الـمربـي على إصلاح نـفـسـه أولا قـبـل إصلاح غـيـره، هـو سـلـوك أو
مـنـهـج قـلـما يـصـل إلى نـتـائـج مـهـمـة.
:
3 ـ الـتـجـربـة
بـالـقـدوة::في الـوقـت الـذي يـحـاول فـيـه الـمربي فـي الـتـربـية
الـعـادية أن يـلـقـن الـمـتـعـلـم سلـوكـيات معـيـنـة عـبـر الـتـلـقـيـن
الـشـفــوي ، نـجـد الـصوفي يـرتـقي درجـة أعـلى وهي درجـة الـقـدوة.
فـكـثـيـر
مـن مـنـاهـج الـتـربـيـة ـ في نـظـرنـا ـ أخـطـأت في الـفـصـل بـيـن الـمـعـرفـة
وبـيـن الـسـلـوك ، لأنـه إذا كـانـت الـطريـقـة الـتـلـقـيـنـية مجـديـة إلى حـد
ما في الـمعـارف والمعـلـومات فـإنـها قـلـما تـنـفـع في نـقـل الـسلـوكـيات . إن
الـسـلوكـيـات مـسـألـة أغـفـل الإشـارة إلـيـها كـثـيـر من الـمـربـيـن ، إن أنـسب
طـريـقـة لـنـقـل الـسـلـوكـيـات هي الـقـدوة .
فـإذا كــانـت الـتـجـارب الـتي
يـمـر بهـا الـمـرء مـتـعـددة مـتــنـوعة : مـنـهـا الـمـعـارف ومـنـها
الـسلـوكـيات ومـنـها الأحـاسـيـس … فـلـيـس من الـمنـطـقي ولا من الـمقـبـول أن
تـنـقـل هـذه الـتـجـارب على تـنـوعـها بـآلـة واحـدة ووسـيـلـة واحـدة ، وإذا كـان
هـذا أمرا مسلـما به ، فالأولى أن نـبـحـث عن وسـيـلـة أنـسـب لـكـل تـجـربـة ، أو
لــنـقـل بـصـيـغـة أخـرى عن الـسـلـوك : إنـه تـجـربـة حـيـة وبـالـتـالي لا
تـنـاسـبـها ولا تـنـفـع في نـقـلـها الـوسـيلـة اللـغـوية مـهـمـا بـلـغ اقـتـدار
صاحـبـهـا عـلى الـبـلاغـة . إن أنـسـب طـريـقـة هي أن تـكـون أداة الـنـقـل مـن
جـنـس الـمـنـقــول ، ولا أداة أنــسـب في هـذا الـسـيـاق مـن الـقـدوة ، وهـنـا
نـستحـضـر قـول الـرسـول صلى الله عـلـيه وسـلـم :
صلـوا كـما رأيـتـمـونـي أصـلـي .
انطلاقـا مـمـا سـبـق نـشـيـر
إلـى أن الـتـربـيـة الـصـوفـيـة هـي:
:
4 ـ تـجـربة
مـعـيـشـة ::الـمـربـي الصـوفـي حـيـنـمـا يـنـقـل للـمـريـد تـجـربـة
فـإنـمـا يـنـقـل إلـيه تـجـربة عـايـشـهـا وعـانـاهـا وكـابـدهـا بـفـكـره
وإحـسـاسـه وشـعـوره … بـاخـتـصار إنهـا بالـنـسبة إلـيه تجـربة مـعـيـشـة
تـغـلـغـلـت في مـدارك الـمـريـد الـنـفـسـيـة والـروحـيـة والـعـقـلـيـة ،
وتـغـلـغـلـت في ذاتـه وصـارت جـزءا مـن كـيـانـه . فـهـو عـوض أن يـلـقـنـه
الـتجـربة ، يـجـعـلـه يـعـيـشـها ويـحـيـاها بـنـفـسـه ، الأمـر الـذي يـجـعـل
أمـر الـتـلـقـيـن مـيـسـورا هـيـنـا ، لأن فـاقــد الـشيء لا يـعـطـيه كـمـا
يـقـول الـمـثـل .
:
5 ـ تـجـربـة الـتـجـربـة
::إذا كـان مـن الـمـتـفـق عـلـيـه أن مـن الـتـجـارب ـ كـمـا سـبـق
الـقـول ـ مـا يـنـقـل شـفـهـيا، فــإن مـنـهـا مـا لا يـتـم تـحـصـيـلـه إلا
بـالـتـجـربـة ، فـلـو أنـك سـعـيـت إلى أن تــنـقـل لـشـخـص مـا مـذاق شيء أحـسـست
به عـلى لـسـانـك ، أو تـجـعـلـه يـدرك لـونـا رأيـتـه ، أو ألـمـا أحـسـسـت به
…فـإن الأمـر يخـتـلـف ... فـمـهـمـا حـاولـت أن تـجـعـل الآخـر يـحـس بـمـذاق
الـتـفـاح تـحـت حـاسـتـك الـذوقـيـة فـإنـك لا مـحـالـة سـتـعـجـز ، فـبـعـد
الـمحـاولـة تـلـو الـمـحـاولـة لا تـمـلك في نـهـاية الأمـر إلا أن تـقـول
لـصاحـبـك : ذق بـنـفـسـك وحـاول أن تـحـس كـمـا أحـسـست وتـدرك كـمـا أدركـت،
فـإني لا أغـني عـنـك شـيـئـا ، وهـكـذا في كل تـجـربـة عـلى هـذا الـمـنـوال ،
كـأن تـقـول لـه : قـرب يـدك مـن الـمـوقـد ، أو ضع يدك في الإنـاء … وحـيـنـئـذ
إذا قـلـت : مـا ألـذ الـتـفـاح ! كـنـت عـلى يـقـيـن مـن أن صـاحـبك على درايـة
بـمـا تـقـول وتـصـف مـن غـيـر ريـب أو شـك . هـنـا نـجـد الـشـيـخ الـصوفي يـدفـع
بـالـمـريـد إلى أن يـتـعـلـم بـنـفـسـه وبـطـريـقـة الـمـعـايـشـة ، إذ إن خـيـر
طـرق الـتـعـلـم ـ كـما نـعـلـم ـ مـا كـان مـنـهـا ذاتـيـا.
:
6 ـ تـجـربـة إيـجـابـيـة ::فـعـلـى عـكـس الـكـثـيـر مـن
الـتـجـارب الـتـربـويـة الـسـلـبـيـة الـتي يـكـتـفي فـيـها الـمـتـعـلـم
بـالـتـلـقي الـسـلـبي ، يـأخـذ دون أن يـبـذل أدنى جـهـد ، فـإن عـلى الـمـريـد في
الـتـجـربـة الـصـوفـيـة أن يـجـتـهـد ويـكـابـد ويـعـاني ، ومـن تـم يـتـحـصـل
لـديـه الـعـلـم وإدراك الـعـلـم ، وشـتـان مـا بـيـن الـتـجـربـتـيـن.
:
7 ـ تـجـربـة ذاتـيـة ::الـمـقـصود بـالـذاتـيـة هـنـا هـو
أن الـمـتـعـلـم حـيـنـمـا يـتـعـلـم ويـكـتـشـف ويـكـتـسـب تـجـاربـه بــنـفـسـه
ويـحـصـّـل مـعـارفـه بـذاتـه فـإنـهـا تـتـلـبـس بـذاتـيـتـه وتـتـخـلـق بـيـن
نـفـسـه وبـيـن الـمـعـارف ألـفـة تـجـعـل الـمـرء يـأتـي الأفـعـال أو
الـسـلـوكـيـات عـن رضى وطـيـب خـاطـر . تـصـيـر الـسـلـوكـيـات أقـرب إلى فـطرة
الإنسان ، وما كان كـذلك يصعب زوالـه عـلى عـكـس مـا كـان عـن تـصـنع . هـذا
إضـافـة إلى أنـه في الـتـربـية العادية نجد الـمـدرس يـلـقـن الــمـتـعـلـم
قـنـاعـاتـه الـشـخـصـيـة ، وفي غالـب الأحـيان يـصـيـر هـذا الأخـيـر نـسـخـة مـن
أسـتـاذه أو عـلى الأقـل يـحـمـل مـواقـف وتـصورات ، بـل ، ورؤيـة أستـاذه
للـعـالـم وللأشـيـاء ، فـي حـيـن أن الـمـطـلـوب فـي الـتـعـلـيـم أن يـربى عـلى
التـزود بـالـفـكـر الـذاتي والـشـخـصـيـة الـمـسـتـقـلـة .
:
8 ـ تـجـربـة فـرديـة ::فـي الـمـدارس الـعـاديـة يـوجـه
الـمـدرس الـدروس إلى مـجـمـوعـة مـن الـمـتـعـلـمـيـن وذلك بـمـادة واحـدة
ومـنـهـجـيـة واحـدة لا تـخـتـلـف ولا تـراعي الاخـتـلافـات الـتي بــيـنهـم ،
الأمر الـذي يـحـمـل في بـاطـنـه ظـاهـرتـيـن سـلـبـيـتـيـن :
الأولى ـ إن
الـطـريـقـة الـمـوحـدة قـد تـنـاسـب الـبـعـض دون الـبـعـض الآخـر ، مـن
الـمـتـعـلـمـيـن ، في حـيـن أن الـطـريـقـة فـي الـمـنـهـج الـصوفي تـخـتـلـف
بـاخـتـلاف أفراد الـمـتـعـلـمـيـن ، فـلـكـل مـريـد تـعـامـلـه الـخـاص .
ـ
الـثـانـيـة هـي أن هـذه الـطـريـقـة تـؤدي إلى تـنـمـيـط الـمـتـعـلـمـيـن ، حـيـث
يـصـيـرون نـسـخـة واحـدة ، الأمـر الـذي يـقـضي عـلى الـخـصـائـص الـفـرديـة
والـمـيـولات الـشـخـصـية.
:
9 ـ تـجـربـة مـعـصومـة
::الـمـدرس في الـتـربـيـة الـعـاديـة نـادرا مـا يـخـلـص مـعـارفـه ـ
أو لـنـقـل بـصـيـغـة أكثـر تـحـديـدا ـ نـادرا مـا يـخـلـص تـلـقـيـنـه مـن
مـوجـهـات نـظـره الـخـاصة ، فهـو حـيـن يـنـقـل الـمـعـارف إلى الـمـتـعـلـم فـهـو
لا يـستـطـيـع أن يـخـلـصـهـا مـن آرائـه ذات الـصـبـغـة الـشـخـصـيـة ـ
الإيـديـولـوجـيـا ـ فـهـو لا يـسـتـطـيـع إيـصال الـمـعـارف خـالـصة نـقـيـة من
عـنـاصـر ذاتـيـة ، وقد تـكـون آراؤه ومـواقـفـه سـلـبـيـة فـضلا عـن أنـهـا تـمـس
بـشخـصية الـمـتـعـلـم واستـقـلالـيـتـه ، خـاصة وأنـه يـعـيـش فـتـرة لـم يـنـضـج
فـيـهـا بـعـد بـمـا فـيـه الـكـفـايـة لـيـحـدد مـا يـنـاسـبـه ومـالا يـنـاسـبـه
مـن الـقـيـم والـمـواقـف ، وخـاصة إذا عـلمنا أن الـمـعـلـم في أحـيـان كـثـيـرة
يـحـمـل قـيـمـا ومـواقـف قـد تـكـون ضارة بـالـمـتـعـلـم ، وقـد تـكـون الـنـوايـا
سـيـئـة وحـيـنـهـا تـكـون الـمـصـيـبـة أكـبـر .
:
10 ـ
تـجـربـة تـصـاعـديـة ::الـتـجـربـة الـصـوفــية تـجـربة تـراعي نـمـو
الـمـريـد ، وتـحـاول أن تـتـطور بـتـطـوره عـلى خـلاف الـمـنـاهـج الأخـرى الـتـي
تـبـقـى فـي غـالـب الأحـيـان بـنـفـس الـمـستـوى ولو اخـتـلـفـت الـفـئـات
الـمـسـتـهـدفـة ، إذ كـثـيـرا ما يـتـوهـم الــمـدرسـون أنهـم يغـيـرون
طريـقـتـهـم ، والحـقـيـقـة أن الـمـادة هي الـتي تـتـغـيـر .
11 ـ تـجـربـة تـكـامـلـيـة :الـتـجـربـة الـصـوفـيـة
تـراعـي مـخـتـلـف جـوانـب شـخـصـيـة الـمـريـد مـن الأبـعـاد الـنـفـسـيـة
والـعـقـلـيـة والـروحـية ، فـهـي تـربـيـة تـخـاطـب كـل الجـوانـب في الـوقـت الذي
تـقـتـصـر فـيـه أغـلـب الـطـرق ـ إن لـم نـقـل كـلـهـا ـ عـلى الـمـادة
الـمـعـرفـيـة وحـدها ، أو عـلى الـمـادة الـسـلـوكـيـة وحـدها ، مـع إغـفـال تـام
أو شـبـه تـام لـمـسـألـتـيـن :
1 ـ الـتـربـية الـروحـيـة .
2 ـ
الـتـكـامـل أو الـبـعـد الـتـكـامـلي .
12 ـ تـجـربـة
تـرقـيـة :إذا كـانـت الـطـرق الأخـرى فـي الـتـربـيـة تـسـعى إلى
تـوسـيـع مـعـارف ـ لا مـدارك ـ الـمـتـعـلـم ، فـإن الـتـربـيـة الـصـوفـيـة
تـتـغـيى الـتـرقـيـة بـمـدارك الـمـريـد مـن جـهـة والـرفـع مـن إنـسـانـيـتـه مـن
جـهـة أخـرى عـن طـريـق تـرسـيـخ قـيـم الـمـحـبـة والـخـيـر والـفـضـيـلـة عـوض
الـتـقـوقـع ضـمـن تـجـارب تـقـوي الـجـوانـب الـمـاديـة على حـسـاب الـمـعاني
الـروحـيـة .
إن غـايـتـنا مـن هـذا الـمـوضـوع لـيـسـت هـي الــدفـاع عـن
الـتـصـوف ضـد مـنـتـقـديـه ، بـل إن رغـبـتـنـا لا تـتـجـاوز الـوقـوف عـنـد
الـتـسـاؤل الـتـالي : إذا كـانـت كـل تـجـربـة من الـتـجـارب وكـل خـبـرة مـن
الخـبـرات ... بـل وكـل مـا يـرتـبـط بـصـنـع الإنـسـان لا يـخـلـو مـن
إيـجـابـيـات وسـلـبـيـات ، فـلـم لا نـسـتــفــيـد مـنـهـا فـي إغـنـاء
تـجـربـتـنـا في الحـيـاة ، وفي مـا يـفـيـدنـا عـوض الـحـكـم عـلى كـل مـا
نـجـهـلـه بـالـسـلـبـيـة جـمـلـة وتـفـصـيـلا .